الآن، استخدم فريق من علماء الكون الإشعاع الأقدم الموجود هناك وهو "التوهج اللاحق للانفجار العظيم"، أو ما يُعرف بإشعاع الخلفية الكونية الميكروي لإثبات أن الكون متماثل مكانياً، بمعنى أنه هو نفسه بغض النظر عن طريقة مشاهدتك له، إذ لا وجود لمحور دوران، أو أي اتجاه يتمتع بخصوصية ما في الفضاء
وقد استقرأ العلماء في الحقيقة أن احتمالية وجود اتجاه مفضل في الفضاء هي واحد من بين 121000، الأمر الذي يُعتبر الدليل الأفضل حتى الآن على كونٍ متماثل مكانياً. ينبغي أن يولد هذا الاكتشاف شعوراً بالراحة لأولئك العلماء الذين يعتمد نموذجهم القياسي لتطور الكون على افتراض مثل هذا التجانس
يقول أنتوني تشالينور عالم الكون في جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة والذي لم يشترك في العمل: "إنه تحليل أكثر شمولية مقارنةً مع ما سبقه، فالسؤال عن مدى تماثل الكون ذو أهمية جوهرية"
صدم نيكولا كوبرنيكوس عام 1543 الأرض والإنسانية فيما يتعلق بمركز الكون المفترض حين لاحظ أنّ الأرض تدور حول الشمس وليس العكس. أفسحت عملية الرصد تلك الطريق أمام ولادة المبدأ الكوبرنيكي، الذي ينص على عدم وجودنا في مكانٍ له خصوصيته في هذا الكون اللانهائي واللامركزي
وفي أوائل القرن العشرين ومع مجيء نظرية أينشتاين في النسبية العامة، ورصد توسع الكون في كل الاتجاهات، تطورت هذه الفكرة بدورها إلى المبدأ الكوني، الذي يفترض أن الكون هو نفسه في كل مكان وفي كل اتجاه. وبعبارات أكثر خيالا: الكون متجانس ومتحد الخواص في الوقت ذاته
لهذا المبدأ حدوده، فوجود النجوم والمجرات بيّن أن المادة لا تتوزع بالشكل ذاته تمامًا في كل مكان؛ ووفقاً لفرضية العلماء فذلك حصل لأن الكون وُلد كحساء متجانس من الجسيمات دون الذرية جرّاء الانفجار العظيم. وحين عانى الكون من طفرة نمو سريعة تدعى بالتضخم، توسعت اهتزازات كمومية صغيرة في هذا الحساء إلى أحجام عملاقة لتؤدي إلى اختلافات في الكثافة قادت إلى بزوغ المجرات
وحتى الآن يعتمد النموذج القياسي لعلم الكون على الافتراض القائل بأنّ تلك الاختلافات عند الأحجام الأكبر كانت غير ملحوظة، وبالتالي فإن الفضاء متجانس ومتحد الخواص. لكن ليس بالضرورة أن يكون كذلك، فنظريا من المحتمل أن يكون الفضاء هو ذاته بين نقطة وأخرى، لكنه في الوقت نفسه يمتلك اتجاهات خاصة -كبلورة الألماس التي لها كثافة موحدة، ولكن هناك اتجاهات خاصة تصطف بها ذراتها في صفوف
وفي بداية الألفية الثانية ظهرت بعض الإشارات على وجود مثل هذا اللاتناظر المكاني في الخواص، وحصل ذلك عندما بيّنت قياسات المركبة الفضائية لمسبار ويلكنسون للأمواج الميكروية متباينة الخواص التابع لناسا أن بعض التموجات الطفيفة التي تظهر في أشعة الخلفية الكونية تتحاذى باتجاه محور يُعرف بمحور الشر الذي يُسقطه معظم الباحثين من البيانات الإحصائية
والآن استبعد كلٌ من دانيلا سعاده وأندريو بونتزون الفلكيان في كلية جامعة لندن وزملاؤهما وجود اتجاهات خاصة بالاعتماد على الاختبارات الأكثر صرامة التي تم إجراؤها حتى الآن، فقد استخدموا هذه المرة قياسات مأخوذة من مركبة بلانك الفضائية التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، التي جمعت البيانات بين عامي 2009 و2013، وقدمت خرائط هي أكثر دقة بكثير من خرائط المركبة الفضائية لمسبار ويلكنسون
فبدلا من البحث عن اختلالات التوازن الغريبة في القياسات المأخوذة من مركبة بلانك، سلكوا منهجيًا طريقاً آخر، إذ أخذوا بعين الاعتبار كل الطرق التي يكون فيها اتجاهات مفضلة في الفضاء وكيف يمكن لهذه السيناريوهات أن تفرض نفسها على القياسات المأخوذة من مركبة بلانك، ومن ثمّ بحثوا عن تلك الإشارات النوعية في البيانات
ولإعطاء دراستهم المزيد من الثبوتية، بحثوا أيضا عن أنماط مرافقة في استقطاب إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، التي وضعت مهمة بلانك خرائطاً لها أيضاً. ووفقاً لسعاده فثلاثة من بين الأنماط الخمس كانت "بيانات الاستقطاب دليلاً دامغاً بالنسبة لها"
Commentaires
Enregistrer un commentaire